الاثنين، ديسمبر 21، 2009

إنهض يا سيدى الشاب ؟!؟

بقلم الأديب الراحل : عبد الوهاب مطاوع رحمه الله
نقلاً عن كتابه صديقى ما أعظمك


روى أحد الادباء ذات يوم قصة خيالية عن مهاجر عربى هاجر الى امريكا الجنوبية ،فاحتفل به اقاربه الذين سبقوه الى المهجر و طافوا به شوارع المدينة التى يعيشون فيها فقادتهم أقدامهم إلى مقبرتها، وأعجب الوافد الجديد بجمال حديقة المقبرة و شواهدها الرخامية الثمينة ، لكنه لاحظ خطأ شائعاً فى بياناتها جميعا فكل شاهد منها منها يحمل عبارة من هذا النوع :فلان الفلانى ولد عام 1860 و مات عام 1930 و عمره عشرون سنة! , أو: فلان الفلاني ولد عام 1870 ومات 1940 وعمره خمسون عاما! و هكذا..! فلفت أنظار أقاربه إلى هذه الاخطاء فى حساب الاعمار فضحكوا منه و قالوا له ، إنه لا خطأ هناك لأن الناس فى هذه المدينة لا يقدرون عمر الانسان بما عاشه من سنوات من مولده الى رحيله ، و انما بما عاشه من لحظات السعادة و هكذا فقد يكون عمر الانسان مثلا 70 عاما و لكنه لم يعش فعلا سوى عشرين عاما . وقد يكون عمر آخر 60 عاما لكنه عاش 50 عاما من السعادة فيكون أطول عمراً من الأول بحساب السعادة وليس بحساب السنين !.

وأعجبت الفكرة المهاجر الجديد وكان في الأربعين من عمره فتأملها طويلاً ثم تنهد بأسي قبل أن يقول لرفاقه: إذا مت اليوم أو غداً فأرجو أن تكتبوا علي شاهدي هذه العبارة ((جبورجبر من بطن أمه إلي القبر!)) أي أنه لم يعش يوماً واحداً من السعادة منذ ولد !

وأنا من المؤمنين بهذه النظرية في تقدير الأعمار الحقيقية للإنسان , بروح الشباب وليس بشهادة ميلاده , فكما يمكن أن يكون عمر الإنسان الحقيقي بحساب السعادة 10 سنوات فقط وهو في الخمسين .. يمكن أن يكون أيضا شابا في الستين .. أو شيخا في العشرين من عمره بحساب روح الشباب وحماسه فالشباب عندي ليس مرحلة من العمر تبدأ في السابعة عشر أو الثامنة عشر وتنتهي قبيل الأربعين وإنما هو كما يقول الشاعر الأمريكي صامويل أولمان شعور في النفس وقوة في الإرادة وتوقد للخيال وللمشاعر والعواطف وتغليب للشجاعة علي الخوف والتهيب , أما الشيخوخة فهي ضعف كل ذلك عند الإنسان ولو كان شابا في عنفوان شبابه.

فأنت شاب مهما كان عمرك إذا كانت إرادتك و قلبك و خيالك و شجاعتك و مشاعرك شابة فتية لم يدركها الوهن لكن الشباب دائما فى حاجة إلى حكمة الشيوخ.. ، و الشيوخ دائما فى حاجة إلى قدرة الشباب وكلاهما يتطلع إلي ما ينقصه لدي الآخر ويتعذب به والشاعر العربي حين قال :


أوآه لو عرف الشباب
وآه لو قدر المشيب

كان يحلم يهذه الروشتة المضمونة للسعادة... أن يعرف (( الشباب )) أي أن يتسلحوا بالمعرفة والخبرة والحكمة التي توافرت (( للمشيب)) وأن (( يقدر )) المشيب .. أي أن يحتفظ بحماس الشباب وإتقاد مشاعرهم وشجاعتهم وقوة إرادتهم بعد أن يكتسبوا خبرة السنين .

والمعادلة قد تكون صعبة لكنها ليست مستحيلة فأنت تستطيع أن تعيش شابا بقلبك وفكرك طوال العمر إذا تجنبت القلق والشك في قدرتك وإحساس القنوط واليأس من اليوم .. والخوف من الغد , وإذا جعلت لنفسك هدفا تسعي إليه ولحياتك قيمة ومعني عندك وعند الآخرين , فالقلق والخوف والإحساس بالعجز وإفتقاد الهدف والإحساس بإنعدام الدور مهما كان ضئيلا هو أكثر ما يهدد الشباب بالشيخوخة وأكثر ما يستدعي التجاعيد إلي وجهك وقلبك وروحك .

ومن أطرف ما قرأت في قصة حياة المفكر الفرنسي الحالم سان سيمون هو أنه درب خادمه علي أن يوقظه كل يوم صباح في فراشه قائلا : إنهض ياسيدي الكونت .. فإن أمامك مهام عظيمة لتؤديها للبشرية !.. فينهض ممتلئا نشاطا وحيوية ومستشعرا أهمية وجوده ودوره في الحياة التي تنتظر منه الكثير !

ولم يكن لسان سيمون عمل شاق يؤديه سوي القراءة والكتابة والتأليف والدعوة إلي مجتمع يقوم علي أسس التعاون بدلاً من قوانين المنافسة الرأسمالية لكن امتلاءه بالإحساس بالهدف كان يجعل لحياته معني وغاية فلم يفقد حماسه ولا شبابه حتي مات سنة 1825 وعمره 65 عاماً فإذا كانت ظروف العصر لا تسمح لنا بإستئجار خادم يوقظنا من النوم كل صباح بهذا النداء الحماسي فلندرّب أنفسنا علي أن يوقظنا نداء داخلي مثله كل يوم . يشحذ حماسنا ويحمينا من الفتور ويبعد عنا تجاعيد شيخوخة الروح .

وكل إنسان يستطيع أن يجد مهاماً عظيمة يؤديها للبشرية إذا أدي واجبه بإخلاص وجعل من نفسه كائناً بشرياً مفيداً لمن حوله ولمجتمعه الصغير والكبير .. بل ويستطيع ذلك أيضا إذا كف أذاه عن الآخرين وحافظ علي الحياة وأضاف لها .. فإماطة الأذي عن الطريق أي رفعه عنه شعبة من الإيمان . كما يوقل الحديث الشريف ... وعمل له قيمة , فما بالك بكف أذي الإنسان عن غيره .. وخدمة الحياة بالعطاء لها في أي مجال ؟

والإيمان بالله أول خطوة في الطريق إلي سلام النفس الذي يساعدك علي الإحتفاظ بشبابك طوال العمر لأن الخواء النفسي يفتح باب الجحيم أمام الإنسان .. ويعجل بغروب شبابه.. في عز الشباب .

وأنت شاب ياصديقي دائماً , ماآمنت بالله وبنفسك وبأهمية وجودك للحياة .. ويحقك في السعادة وبأنك أكرم مخلوقات الله عليه وبأنك خليفته في أرضه , ومسئول عن إعمار هذه الأرض والإضافة إليها كل يوم.

وأنت شيخ يا صديقي ولو كنت شاباً بحساب السنين إذا افتقدت بعض هذا الإيمان وهذا الحماس وهذه الإرادة وهذه النظرة المتفائلة للغد.

فقل لي عن أفكارك وإيمانك وثقتك بربك ونفسك وقوة إرادتك أقل لك هل أنت شاب أم شيخ متهالك بمقياس صديقي الشاعر الأمريكي أو لمان ..؟

وحدثني عن تفتحك للحياة وأيامك السعيدة ولحظات السلام والهناء التي عشتها أقل لك كم يبلغ عمرك الحقيقي الآن بمقياس صديقي جبور جبر..

أما إذا أردت أن تعيش شاباً سعيداً طوال العمر.. فانهض ياسيدي الشاب فإن أمامك مهاماً عظيمة لتؤديها لنفسك ولشبابك وللحياة ..

هناك 3 تعليقات:

donya يقول...

مساء الخير
المقال ده جه في وقته معايا
شكرا

تحياتي

micheal يقول...

قصة وراها مغزى جمنيل يا بدرو
أتمنالك السعادة والتوفيق
تحياتي

الفراغ يقول...

انا محتجالك فى موضوع جاد جدا
ياريت تقدر تقدم هذه المساعده
اقرأ عندى
وشغل القريحه
وشكرا