لن أنساه أبدًا.. عامل النظافة في جامعة القاهرة الذي استحلفني بإيمان المرسلين أن أساعده في الحصول علي مقبرة.. عجبت منه جدا.. مقبرة!!.. ما الذي يجعل هذا الرجل يفكر في الموت والمدافن وهو دون الأربعين.. قال إنه جمع تحويشة بلغت سبعة آلاف جنيه، ويحتاج إلي أربعة آلاف أخري.. المقبرة في بلدهم في الصعيد وصلت فوق الأحد عشر ألف جنيه.. أما في القاهرة فقد وصلت الأسعار إلي أربعين ألفًا، وسبعين ألف جنيه..
اذهب إلي القاهرة الجديدة.. سوف تجد طوابير العائلات تتسابق في حجز مقبرة في القطامية أو في طريق السويس.. هناك أزمة حقيقية في المدافن.. الجوامع والجمعيات الخيرية تحاول المساعدة في إيجاد حلول وتجمع الأموال والتبرعات من أجل شراء مقابر صدقة للفقراء.. الغلاء والأسعار المشتعلة جعلت الناس تستغيث بالدكتور وزير محافظ القاهرة.. طالبوه بتوفير مدافن وبوضع تسعيرة جبرية للحانوتية نظير عمليات الغسل والدفن بأقل من خمسمائة جنيه.. الحانوتية اعترضوا.. وهددوا بالقيام باعتصامات وإضرابات..
لاحول ولا قوة إلا بالله.. حتي الحانوتية وصلهم فيروس الإضرابات؟!.. الدكتور عاصم الدسوقي حكي لي أنه شهد في أمريكا واقعة عجيبة.. حانوتية تكساس قاموا بإضراب لمدة شهرين كاملين يطالبون برفع رسوم الدفن.. وكانت كارثة حيث تعفنت الجثث في الكنائس.. ورضخت السلطات لمطالب الحانوتية فقامت برفع الرسوم.. فهل سيرضخ محافظ القاهرة لمطالب الحانوتية؟.. وكيف سيتعامل مع إضرابهم المتوقع؟.. مصر لا توجد فيها شركات متخصصة في دفن الموتي، وهذا بيزنس سوف يشهد ازدهارا كبيرًا في الفترة المقبلة.. وقد بدأ بالفعل..
فقد قرأنا مؤخرًا عن شركة تعلن عن بيع مقابر في مجمع للمدافن سمته علي اسم أشهر مدفن في الأراضي الحجازية وحددت ثمن المتر فيه بأضعاف أضعاف ثمن متر المباني في شقق مصر الجديدة.. هل ستتم خصخصة المقابر أيضًا؟.. يبدو أنه اتجاه جديد.. ولكن أين سيدفن الفقراء؟.. خاصة أن ظاهرة مقابر الصدقة أصبحت مجرد ذكريات وحكايات عن زمن التكافل الذي ولّي.. هل خططت المحافظة ووزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة علي خريطة مصر مجمعات للمدافن؟.. لا أظن..
فهذه الهيئات مشغولة بأمور استثمارية أهم.. والتوجه هو أن نترك هذه التفاصيل للحراك الاجتماعي فالمجتمع، كما يقول الدكتور علي الدين هلال في حالة رجرجة مثل البالوظة.. فمن سوف يلتفت إلي طموحات مواطن يدعو قائلاً.. يا رب مقبرة متر في مترين.. عزيزي المواطن لا تمت الآن.. لا توجد مقابر شاغرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق