الثلاثاء، مارس 04، 2008

شد الحزام علي وسطك

بقلم خالد الخميسى ١٩/٢/٢٠٠٨
أثار عيد الحب في قلبي العديد من الشجون.. الاستسلام الغبي لنمط من الاستهلاك سوف يقودنا إلي هاوية أعمق من تلك التي نرقد فيها الآن. الرضوخ لنمط وعادات الغرب السعيد. الاكتفاء بالشكل دون الجوهر.. فالحب في هذا العيد هو أن تشتري هدايا وليس أن تحب. شجون عميقة تضرب بجذورها في معظم ما يحيطنا اليوم من سلوكيات اجتماعية.


ظللنا طوال القرن الماضي نكرر من الشيخ سيد درويش إلي الآن أن الاقتصاد المصري - ودون الدخول في تفاصيل من يريد أن يغلوش علي الموضوع - يحتاج منا أن نسير معه ثلاث خطوات ليس أكثر: أولا أن نقوم بترشيد استهلاكنا. ثانيا أن نقوم بتنمية مدخراتنا. وثالثا: أن ننتج. فلا وجود لتنمية دون ادخار وبالطبع لا يمكن أن نعظم من مدخراتنا دون أن نشد الحزام علي وسطنا. الموضوع في منتهي البساطة.

أتذكر أنني كنت في ألمانيا في الصيف قبل الماضي. أقمت في مدينة ميونيخ وهي من أشهر وأرقي المدن الألمانية ودخلت هناك سوبرماركت هو الأكبر في الحي الذي كنت أقيم فيه ووجدت أن الموجود من البضاعة في هذا المحل لا يتجاوز الحد الأدني الإجباري توافره. صنف واحد أو علي الأكثر صنفان من البضائع الأساسية.

واكتشفت تدريجيا أن الشعب الألماني يستهلك في الحدود الدنيا مع وعي وطني وصحي عميق. هذه الدولة اليوم هي الأكثر تصديرا لمنتجاتها من ضمن كل دول العالم، فقد تعدت صادراتها قيمة تريليون دولار بشوية فكة سنويا، بينما تأتي الصين في المرتبة الثانية بـ٩٧٤ بليون دولار ثم الولايات المتحدة بـ ٩٢٧ بليون دولار.

هذه الدولة التي فقدت بعد الحرب العالمية الثانية بنيتها التحتية بالكامل ووصلت بعد خمسين عاما فقط أن تكون الأولي علي العالم في مجال التصدير انضمت إلي عدد من الدول الأوروبية - من ضمنها فرنسا - كي يقوموا بحملة مضادة لعيد الحب ليوقفوا من نزيف الاستهلاك الغبي الذي قد يعوق من دفع عجلة الإنتاج المعتمدة علي الادخار.

وليستهلك منتجاتهم شعوب العالم الأخري. ولتكن المرسيدس السيارة التي يعشقها الشعب المصري أو الأرجنتيني لكي تدور عجلة الإنتاج لديهم دورتها اللانهائية. كما أنهم يقومون بحماية شعوبهم من تبعية ثقافية للولايات المتحدة لابد من مواجهتها بكل حدة من وجهة نظرهم. فكل الرسائل الإلكترونية التي تلقيتها من دول أوروبية كانت تدعم الاتجاه المعادي لعيد الحب باعتباره عيدا لحب الشراء وعيدا لحب ترويج المنتجات الغربية.

وكل الرسائل التي تلقيتها من مصر كانت تعبر عن فرحة لا نهائية بالفالنتين داي ونحن بالتأكيد لا نعرف لا من قريب ولا من بعيد الحاج فالنتين ولا الأستاذ «داي». تدعم الدولة المصرية رسميا ومن خلال أدائها العام ومن خلال وسائل الإعلام الرسمية نمطا للاستهلاك لا يمكن فهم نوازعه إلا إذا شاهدنا التشكيل الوزاري المرصع برجال أعمال لا يفهمون إلا دفع هذا الشعب الغلبان لمص دمائه باستهلاك منتجاتهم التي لا يمكن تصديرها لارتفاع ثمنها ورداءة صنعها.

وقد بلغت صادرات مصر ٢٤ بليون دولار أغلبها منتجات بترولية وغاز. ويمكننا تقدير تلك القيمة إذا قمنا بمقارنتها بصادرات دولة مثل سنغافورة التي لا تصدر لا البترول ولا الغاز ويبلغ عدد سكانها أربعة ونصف مليون نسمة، وتبلغ مساحتها ٦٩٢ كيلومترا مربعا فقط وقد بلغت صادراتها ٢٠٥ بلايين دولار. فعيد الحب هو في الواقع عيد لحب رجال الأعمال وعيد لكراهية مصر وكراهية نموها الاقتصادي.

عيد لحب شركات المحمول التي ازدهرت بإرسال رسائل لا معني لها إذا قارناها بكلمة حب وجها لوجه أو بقبلة أو حضن حقيقي دافئ بالحب. عيد لحب مستوردي البضائع الصينية وأصحاب المحال. تلقي أبناء العائلة عشرات الكروت الأجنبية المطبوعة باللغة الانجليزية دون كلمة واحدة من مرسلها سوي الاسم.

سألتهم أيهما يفضلون تلك الكروت أم صفحة بيضاء مسطورة بحروف تنبض بشيء حقيقي؟ إنما هو نمط للاستهلاك أصبح هو البطل الأوحد علي الساحة الاجتماعية المصرية. تضربنا الإعلانات من كل صوب وحدب بلا رحمة. ولا وجود لكلمة واحدة أو حملة توعية جماهيرية واحدة لشرح مخاطر التمادي في الاستهلاك أو لشرح ضرورة الادخار. فدعونا نكرر ما تم غناؤه منذ حوالي القرن من الزمان: شد الحزام علي وسطك غيره ما يفيدك. والله يرحمك يا شيخ سيد.

ليست هناك تعليقات: